مسلسلات التركية .. مفاجأة غير سارة !!

بدأت
القناة الثانية الأرضية عرض مسلسل تركي لأول مرة علي الشاشات المصرية مساء
الأحد الماضي.. المسلسل هو "نور" وهو ليس جديداً علي التليفزيون ولا
المشاهد المصري الذي بدأت علاقته بالمسلسل الأجنبي مبكرا منذ ما بعد انشاء
التليفزيون نفسه بقليل حين بدأ يعرض المسلسلات الأمريكية الشهيرة في
الستينيات ومنها "منزل صغير في البراري" وغيره.. وأيضا عرض في تلك السنوات
مسلسلات وأفلام روسية في فترة الصداقة بين مصر والاتحاد السوفيتي. وبمرور
الزمن توقفت الأعمال الروسية واستمرت الأعمال الأمريكية واستجدت عليها -
في السبعينيات بعد دخول الألوان وفصل القنوات - مسلسلات وأفلام فرنسية.
وفي بداية الثمانينيات قدم التليفزيون المسلسلات والأعمال الانجليزية
"ومنها الشيكسبيريات متفلزة" أيام رئاسة سامية صادق له من كل هذا والمسلسل
الأمريكي شغال رأينا منه أعمالا كاملة بأجزائها مثل "دالاس" و"طريق
فلامنجو" وأعمال لم تعرض أجزاؤها الأخيرة مثل "الجريء والجميلات" وفي عقد
التسعينيات انفتحنا علي الشرق وقدم التليفزيون أول مسلسل ياباني يراه
المصريون وهو "أوشين" الذي حقق نجاحا ساحقا لجمعه بين التميز الفني
والفكري حيث كان يطرح رحلة المجتمع الياباني التقليدية إلي النهضة
والتحديث من خلال حياة البطلة.. ومنذ سنوات قليلة رأينا المسلسلات الكورية
ووجدنا فيها قدراً من التعبير عن روح وثقافة مختلفة اعجبت الكثيرين منا.
نسيت أن أقول ان كل هذه الأعمال عرضت علي شاشة القناة الثانية التي كانت
مخصصة للبرامج الثقافية منذ تمت اضافتها بعد سنوات الانطلاق الأولي.. وانه
طوال هذه المدة لم تعرض القناة الثانية أعمالا عربية. وانما بدأ عرض هذه
الأعمال بمسلسلات سوريا علي القناة الثالثة أعوام 2001. 2002 في اطار
تشجيع هذا الاتجاه من خلال مهرجان الاذاعة والتليفزيون العربي الذي تقيمه
مصر. وقد توقف هذا. لكن قناة الدراما المصرية المتخصصة أخذت المبادرة هذا
العام فعرضت تباعا ثلاثة مسلسلات سورية علي شاشتها هي "صلاح الدين
الأيوبي" ثم "ملوك الطوائف" والآن "نزار قباني" الذي تعرض الحلقات الأخيرة
منه.. ولا يمكن بعد هذا التاريخ الطويل لنا كمشاهدين إلا ان نستقبل
المسلسل التركي بترحاب مبدئي كونه يقدم لنا انفتاحا علي ثقافة بلد قريب
منا جغرافيا. جمعتنا به روابط تاريخية ومازالت تجمعنا به روابط أخري ثابتة
مثل الديانة.. غير ان عرض الدراما التركية هنا يختلف عن كل ما رأيناه من
دراما من الشرق والغرب.. فأولاً فان المسلسل التركي "نور" عرض منذ شهور
ولايزال يعرض علي فضائية عربية شهيرة هي mbc وشاهده ملايين المصريين
بالفعل مع بقية المشاهدين العرب. وبالتالي كان من الضروري اختيار عمل جديد
تماما لم يعد مستهلكا بهذه الطريقة إلا اذا أرادت إدارة القناة الثانية
المصرية تعميمه علي الشعب المصري كله بفئاته التي لا تري "الدش".. ثانيا:
ان المسلسل لم يقدم باللغة التركية كغيره من المسلسلات الأجنبية التي تعرض
في مصر وانما من خلال دبلجة للعربية باللهجة السورية في تطور جديد لافت
علي قواعد العصر والاختيار للتليفزيون المصري التي كانت تصر علي عرض
الأعمال الأجنبية بلغاتها مع شريط الترجمة.
ثالثا: ان المسلسل محدود القيمة كعمل
فني وفكري. يعيدنا إلي زمن كانت المسلسلات فيه تري الكون في اتجاه واحد
بتبسيط شديد للحياة يجعلها تقتصر علي جانب أو جوانب محددة وتصب كل
اهتمامها عليها.

وهو
هنا العلاقة بين بطليه "نور" و"مهند" بما فيها من تقلبات واختلافات والتي
تصل لدرجة ان يحضر البطل فرقة موسيقية ويحضر أهله وأصدقاءه للعزف تحت بيت
الحبيبة. في الشارع. حتي تسامحه وترضي عنه وهو سلوك خرافي لا يحدث في
الحياة
ولكنه قد "يؤزم" الذين يشاهدونه وحيث يدور الحديث في الصحف
العربية. وبين المشاهدين لهذا العمل. خاصة في الخليج بكل دوله عن تبادل كل
من الرجال والنساء الاتهامات تجاه بعضهما البعض بافتقاد المشاعر الجميلة
والدفء العاطفي قياسا علي سلوك "مهند" بطل المسلسل تجاه امرأته..
وهو ما يعكس ردود فعل اجتماعية وليست
فنية. خرجت عن نطاق الدراما التي تعني عملا خياليا إلي نطاق الحياة
الواقعية فكل الرجال والنساء الذين يشاهدون المسلسل يعرفون تماما انه
"تمثيلية" وهؤلاء ممثلون وممثلات. وبرغم هذا فقد أثارت تلك المشاعر
التمثيلية البركان الخامد للناس الحقيقيين الذين اكتشفوا جفاف وبرود شركاء
حياتهم.. فهل هذا السبب هو الدافع لعرض المسلسل علي الشاشة المصرية
لاختبار تأثيره - مثلا علي قاعدة أعرض من الناس..
أم سبب آخر أكثر غرابة وهو أن المسلسل يقدم دعاية جيدة للطبيعة ومناطق
الجذب السياحي في تركيا وحيث تعترف جريدة الشرق الأوسط السعودية وجرائد
أخري بأن "نور" تسبب في زحام السعوديين والخليجيين علي السفر لتركيا وأن
المشاهد لا يحتاج الكثير من الوقت كي يكتشف أهم المعالم التركية حيث تركز
اللقطات المصورة لهذه المسلسلات علي عرض كافة الجوانب الطبيعية الخلابة
التي تنعم بها تركيا من الأرياف للثلوج والأماكن التاريخية للمظهر الذي
يوحي بالوثوق بمستوي الأسواق وجودة السلع التركية بالاضافة للأصناف
والمشويات والأكلات المتنوعة بشكل جذاب في غالبية مشاهد المسلسلات
التركية!!.
. هذا هو أهم ما التقطه وكتبه كتاب سعوديون وغيرهم حول
المسلسل. وكله ليست له علاقة بالعمل الفني وقيمته وانما بما يريده المشاهد
غير الفن. ولا أعتقد ان التليفزيون المصري يريد للمصريين من خلال العرض.
أن يذهبوا هم أيضا للسياحة في تركيا بعد أن أثبتت تقارير عديدة منشورة ان
جزءاً كبيراً من السعوديين داخل الخليج ذهب إلي تركيا بدلا من مصر بعد
رؤيته لهذا المسلسل.. ومازال السؤال مطروحا.. لماذا يعرض التليفزيون
المصري مسلسلا أجنبيا تجاريا. بل وسياحيا. رآه أغلب المشاهدين من قبل
ومازالوا يرونه علي شاشات أخري.. خاصة.. ولا يهمنا من قريب أو بعيد ولا
يضيف الينا شيئا.. إلا الحسرة